وكان اللقاء بين الإمام موسى الصدر والطاغية القذافي آب 1978/ فكرتي

الزمان : أواخر آب عام 1978
المكان: أرض تصرخ وتغلي بالثورة ويشتعل ترابها بعد 33 عاماً

اللقـــــــــــــــــــــــــــــاء .......

إحتدم الكلام بين حضيض الأرض ومَن حمل العلاقة الأرقى بين الأرض والسماء ، بل وبين الله والبشر ، وبدت الإنسانية في عليائها تنازع أفكاراً متلعثمة كرهت البشر وأضاعت السماء والأرض ومن عليها ، ولا تحركها إلا حروف الطغيان ، فلون النهار لم يكن يعرف الشمس أبداً ، فالحرب العمياء في لبنان سارت على درب أبناء الموت ، وارتوت من نظرات الثأر في عيون تبحث عن دور بين أزيز الرصاص ودمار المنازل ودم الثوار ، هي بيروت عام 1978 حين لم تعد هي ذاتها وقد تبدلت وتبدل سماؤها ، حيث تبدلت وتبدل لونها معها ، وتقطعت ألسنتها العذبة وانحدرت طوائفها وذُلَّت أديانها ، وحدهُ الصراخ المتعالي ساد أزقة أم الشرائع بيروت ، لعل منقذاً يسمع أنيناً بين هبات المدافع وازيز الرصاص المتقطع ، أو يسرق طرفة عين من بين الحطام والرماد ، بات حطام الإنسانية تكدسهُ الشياطين وملوك الشياطين ، وصمتت العقول ، وحينها وُهبت للبنان عمامة وقامة ممشوقة وفكرٌ حسيني علوي ، لصدّ الشظايا والرصاص المقيت عن بشر الأديان ، لكن من يمنع المدافع العمياء والبنادق التي تنهش بالوطن تدميراً وتحطيماً عن ألوان السماء الصافية ؟
خرج إمام لبنان والمقاومة من لبنان على العرب ، صارخاً في وجوههم ، ماذا فعلتم بنا وبأرضنا ؟ ملتفاً بعباءة سيّده وجده المصطفى ، وفي يده سبّحة الزهراء وتربة الحسين (ع) ، صوناً للدماء وكرمى لشرف الوطن والمواطن ولبنان الرسالة والتعايش ، فحطت به الأقدار بعد تردد طويل عند قائد ثورة أقنع بزيارته لعلّهُ يساعد في رفع البلاء عن لبنان ، ويسكت أمواله القذرة التي تشعل جسد الأرز والأرض ولبنان معاً ، ثم غاب اليقين ، وأخفي الكلام الأخير، ولم يبق إلا حديث أضداد يوحي به لسان الحال ...
يسأل الزعيم الذي يتوهم خيمة عربية ولا يفقه ضيافتها أبداً ، عن سبب السفر إليه والتجني عليه ، فالأحرى منع المسلحين المتعطشين للدم ولحرق البلاد والعباد .
يردّ الإمام ، بعد ابتسامة تكفي اللبيب فهماً وإشراقةً ، ساقتني الأقدار أن أخدم الإنسان في وطني لبنان وأرفع عنه براثن الزمان ، وأسعى إلى إيقاف سيل السلاح إلى ساحة اصطنِعت أحقادُها بين أبنائها ، ينفعل الزعيم ، الذي كاد يصرخ ، أنا المريب هنـا ، فيتلعثم أي سلاح هذا الذي تقوله ، أنتم أنتم ، أنتم لا تملكون ثورة ، إصنعوا ثورة فهذا كتابي الأخضر إليكم . يتنهد الإمام ويطلق زفراة حسرة وألم ويقول الإمام بعدها ...
لكن الثورة تحتاج إلى قائد يكون قائد ثورة لا قائد طرب ولهو وغناء .... 'إن الثورة يسودها النور وتسكنها النهضة وتحركها الحريّة ولا تتطلع إلا للمواطن وأرضه ، فتجعل له حياة وترفع إنسانيته إلى العلا ، يرد من ناصر الفكر الذي يعيد الروح إلى العقل المشلول وينبه الإنسان إلى جوهر الدين السوي والمواطنة الحقة .
يسأل العقيد مجدداً ، وهو الذي باع لنفسه بعد سنوات لقب ملك الملوك أفريقيا : أي إنسان ؟ وينصحهم بأن يحاربون ولا تتوقف الحرب إلا بغلبة طرف على الآخر ، إقرؤا اقرؤا كتابي الأخضر ، الإنسان درجات من سلطة وشعب يختار قائده ، كما أخبروني عما قاله ما اسمه هذا توماس هوبل ، أو ، هوبس ، حول العقد بين الشعب والقائد العقيد ، أنتم لا تملكون ثورة ، نحن نملك ثورة .
يردّ الإمام : إن في وطني ضلالاً ظرفياً حاكتهُ أنامل سوداء ، ما نطلبه هو الإمتناع عن تسليح الفتنة في أرضنا الطاهرة ، فلبنان إباء العرب إن انتظم ليله ونهاره وبانت سماؤه من وراء الرماد ، وأبناؤه عيون ترتفع في عين الشمس ، إذا تنفسوا هواءهم فقط ...
ويمضي عقيد ليبيا في أفكاره الديماغوجية الخضراوية : هذه حرب طائفية ، نحن ضدّ الطائفية ، نحن مسلمون عرب ، وأنا أمير المؤمنين في أفريقيا وفي لبنان ، ولا علاقة بين الدين والوطن ، فالدين للوطن والوطن للدين ، هكذا كتبت أنا في كتابي الأخضر ، خذوه وانتم ملزمون به كعرب ومسلمين أنا ملك الملوك
تألم الإمام الصدر وكأن كل شعب ليبيا إعتصر قلبهُ ، للدين والوطن بعدان مختلفان لا تجمعهما لائحة ولا يخضعان لسباق أولوية ، هي فقط المواطنة التي تجيد رفقتهما بعدل ومنطق وسلوك رسالي حضاري ، لترتفع بنهضة تنزع شياطين الطائفية والطائفيين وتعلم الإنتماء إلى الإنسان ولأي لأرض إنتمى ...
لا يعرف مُتملِّك ليبيا المعنى ، ويقول :
إن انتماءكم هو إلى التعصب ، نحن لا نتعصب ، فنحن مسلمون عرب وأيضاً مع الإسلام من خلال كتاب الأخضر ...
يقاطع الإمام ، الذي خطب في الكنيسة وأعلن أن من يطلق رصاصة على قرية مسيحية في شليفا ودير الأحمر ،كأنه يطلق الرصاص على رأسه وقلبه وعمامته وأولاده ، دم المسيح يجري في عروقنا وصوت محمّد يدوي في مسامعنا ، وشجاعة عليّ وبأس الحسين طريقنا في مواجهة الظلم والظلام والفساد ، وتعايش طوائفنا ثروتنا وثورتنا الأبدية الدائمة، فالأديان تلتقي في جوهرها عند خدمة الإنسان والبشر ، وتعلن جهراً أن التعصب لدين أو طائفة هو إنهزام للدين وطعن في التدين وكره للسماء وللوطن ...
يقول العقيد أنتم لا تملكون ثورة ، فشلتم وهذه إسرائيل دخلت عليكم في الجنوب ، نحن نساعدكم بالمؤن والتمر والخبز ليكون عندكم نظام جماهيري مثلنا هنا ، فانا من صنع الدستور للأمم ...
فيردّ الإمام الصدر بهدوء في طياته ندم ويأس من اللقاء الذي حملتهُ إليه الأقدار، وطننا رسالة ، ونظامنا التعايش ، ونحن نقاوم بأسناننا وأظافرنا وسلاحنا مهما كان وضيعاً ، ودائماً وأبداً سنهزم العدو على أرضنا الجنوبية مهما تطاول عليها بالإعتداء ، فسلامنا هو سلام لبنان ، وهو أفضل وجوه الحرب مع العدو الصهيوني ، فإذا كنتم فعلاً ضد الإعتداء الإسرائيلي ، كفوا عن إرسال الأسلحة التي لا تعرف مقاومة المحتل والغازي لأرضنا الطاهرة اتركونا نقاوم بما لدينا ، ونحارب من خلال سلامنا الداخلي في لبنان ، فوطننا ثروة حضارية وأهله يعرفون كيف يسير موكب الإباء من أجل الحرية والعدالة ورفعة الإنسان ، وفجأة انقطع الحديث وبدأت رحلة المعاناة الكبيرة لخنق صوت المقاومة الراعـد ، فأبت أرض جبل عامل إلا أن تحمل المشعل والبندقية لمواجهة الخطر الدائم من إسرائيل ، فأنطلقت مواكب الشهداء أعراساً في جبل عامل هي سطور تشبيهية من لسان حال إمام نهضة المقاومة السيّد موسى الصدر، القلم الذي لم يغرف إلا من حبر الحقيقة ، وأصبح مع رفيقيه الشيخ محمّد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين ، في غياهب السجون المظلمة ، فصمت حوار الأديان في لبنان ، وتكاثرت الفوارق ، ونفض التقارب ثوب الرقيّ ، ليقع بين مخالب شذاذ الآفاق الذين يشاغبون بإسم الدين وضدّ الدين ، صوناً لشياطين كبرت فوق حطام الطوائف وبين ظلمات الإنسانية وسيبقى لبنان محط آمال السيّد الغائب عن الأنظار ولكنه حاضر في كل القلوب والأفئدة ...

متى اللقـــــــــاء الكبير سيّــــــــــــــــــــــدي أبـــا صــــدري ....