الدكتور أحمد راسم النفيس يكتب عن سقوط الخلافة الحريرية

امتلأ تاريخنا بمقدسات صنعت من توهمنا لم يكن لها يوما ما أي قيمة أو قداسة باستثناء ما عشعش في نفوس تخشى مواجهة الحقيقة ولذا فهي تحتمي دوما بقلاع واهية مصنوعة من خيوط العنكبوت (كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ).

لم تكن (الخلافة الحريرية) يوما ما ذات قيمة فعلية أو أخلاقية تتجاوز قيمة (الخلافة العباسية) التي تحولت إلى طرطور يوضع فوق رءوس سلجوقية أو تركية أو جركسية كان لها القول الفصل أكثر من ألف عام في سَوق العالم الإسلامي نحو التخلف والانحدار والهزيمة وصولا إلى السقوط الكامل في قبضة الصهيونية والصليبية (النظام الدولي الجديد) المتحكم الآن في كامل مفاصل حياتنا السياسية والثقافية والأخلاقية واضعة على رأسها طرطور الأمة العربية الذي جرى اختراعه بعد سقوط الدولة العثمانية وهي الكيانات المصطنعة المكلفة الآن بمواجهة ما يسمى بالخطر الإيراني.

ولأن النظام العربي وأشباه المثقفين التابعين له والعاملين تحت إمرته وفي خدمته لم يقرأ التاريخ أو قرأه ولم يستخلص منه العبر والدروس إما عجزا أو لانتفاء مصلحته في استخلاص هذه العبر فهو ما زال يواصل السقوط من شاهق وكأنما (خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ).

لماذا لم يسأل المسلمون أنفسهم لماذا هم في هذا المكان السحيق رغم أنهم يرون أن تاريخهم كان تمام التمام وأن الحاقدين أمثالنا يشوهون تاريخ الزعماء والأبطال الذي أحلونا وأحلوهم دار البوار؟!.

لم يدرك العرب بعد وهم لا يرغبون في إدراك أن ما يجري اليوم على ساحتهم ليس وليد الأمس القريب سواء كان مؤامرة تستهدفهم لا يعرفون ما هي إلا أنهم يتحدثون عنها في مجالس أنسهم ولهوهم، أو أن سبب مصائبهم هو سوء تقديرهم لما يجري تحت أقدامهم لأنه (جرى تضليلهم وإعطائهم إحصاءات مزورة عن نسب البطالة) كما يزعم ديكتاتور تونس المنتهية ولايته قريبا جدا إن شاء الله.

عندما يكون سبب الكارثة التي يعاني منها حاملوا طرطور العروبة والإسلام تآمر خارجي واضح للعيان كما هو الشأن فيما يتعلق بمحكمة الحريري أو محكمة البشير تراهم يغضون الطرف ويلزمون الصمت ولا ينبسون ببنت شفة إما لأنهم شركاء في التآمر أو لأن المتآمر هو حليفهم الأمريكي الإسرائيلي الاستراتيجي الذي لا يعصون له أمرا ولا يخالفون له نهيا.

أما حينما تنزل بهم قارعة أو تحل قريبا من دارهم بما كسبت أيديهم كما هو الحال في مجزرة كنيسة القديسين تراهم يجأرون بالشكوى من المؤامرة الخارجية التي تستهدف وجود معاليهم خاصة وأن البلاغ سيبقى ضد متآمر مجهول!!.

لم تكن (خلافة أو رئاسة) الحريري الأب أو الابن الذي جرى تقديمه كزعيم ديني طائفي ليبرالي صديق للغرب ومحب للسلام سوى طرطور يضعه المتآمرون الصهاينة والأمريكان المتحكمون الآن في مفاصل الأمة الإسلامية ووجودها من خلال أذرعهم في المنطقة وهو طرطور لا يختلف كثيرا عن طرطور الخلافة العباسية الذي ارتداه العبيد المماليك حكام القاهرة حتى جاء سليم شاه السفاح وأخذه معه بعد أن أنهى مهمة تخريب ما كان عامرا في مصر المنكوبة حسب وصف ابن إياس في كتابه بدائع الزهور: (لكن ابن عثمان انتهك حرمة مصر ويتم أطفالها وأسر رجالها وبدد أحوالها وأظهر أهوالها فما جرى عليها ما جرى إلا ما كان في زمن البخت نصر فلا حول ولا قوة إلا بالله). ص 207 ج5.

أما الخليفة العباسي فجرى نقله مع الأسرى والمنهوبات التي أخرجت من مصر (وفي يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى سنة 923 هـ أخرج أمير المؤمنين المتوكل على الله قاصدا اسطنبول فحصل للناس على فقده من مصر غاية الأسف وقالوا انقطعت الخلافة من مصر وصارت باسطنبول). ص 185 نفس المصدر.

لم يكن لسليم شاه أو سليم خان السفاح من هم إلا السيطرة التامة على مصر من خلال إحداث أكبر حالة من الرعب والدمار وسط أهلها وهو ما لا يختلف كثيرا عن أساليب الإمبراطورية الأمريكية الإسرائيلية القابضة حتى الآن على زمام المنطقة إما بصورة مباشرة أو من خلال أعوانهم وأذرعهم وهم يعانون الآن من حالة رعب خوفا من فقدان هذه الهيمنة في ظل تصاعد حركات الاستقلال وفي مقدمتها حركات المقاومة ضد العدو الصهيوني.

لا غنى عن الأعوان والطرطور.

الأعوان يتآمرون وينفذون ما يلقى إليهم من تعليمات.

أما الطرطور فيغطي هذه التحركات الشريرة بغلالة من الشرعية الوهمية التي كانت تسمى من قبل بالخلافة العباسية والآن تقلصت ليصبح سعد الحريري الممثل الشرعي والوحيد للفرقة الوحيدة الناجية من النار.

أن ينجو سعد من النار أو لا ينجو فهذا شأن أخروي وحسابنا وحسابه على الله.

أما أن تبقى أمتنا ومنطقتنا في جحيم الهيمنة الأمريكية لأنه لا يجوز المس بالقيادة أو الخلافة الحريرية المقدسة للفرقة الوحيدة الناجية فهذا هو المستحيل بعينه!!.

وبينما سارع الفريق الحكومي المصري لاتهام أطراف خارجية بالوقوف وراء أحداث كنيسة القديسين بالاسكندرية نراهم منخرطين بقوة وحماس في الجهد الأمريكي الساعي لقطف رأس المقاومة الإسلامية وتسليمها لما يسمى بالعدالة الدولية رغم أن نفس هذه العدالة المزعومة تقوم الآن بتقطيع السودان بمنشارها الصهيوني وكأن ساسة أمريكا وإسرائيل هم سرب من حمائم السلام لا هم لهم إلا توزيع المعونات لا شن الحروب وإفناء الشعوب وكأن لا مؤامرة ولا مؤامرات إلا على نظامهم المحسود من العالم على ما حققه من تقدم ومنعة ورخاء!!.

الآن انتهى دور سعد الحريري كرئيس لوزراء لبنان وربما ينتهي دوره كزعيم أوحد لطائفة من المسلمين تستحق زعامة أفضل من هذا، تكون قادرة على إعادتها إلى الصف العربي الساعي لنيل الحرية والاستقلال.

من ناحية أخرى فقد دخلت الولايات المتحدة في تحد جديد لدورها ولهيمنتها على المنطقة والعالم وهي إن فشلت في فرض خياراتها وتنصيب أحد التابعين لها على رأس الحكومة اللبنانية مثلما فشلت في العراق وهو ما نتوقعه فهذا يعني تأكيدا على تراجعها وانهزامها أمام قوى التحرر الناهضة في المنطقة.

العرب الذين يرفضون قراءة التاريخ يرفضون أيضا قراءة الواقع كما هو لا كما يرغبون في قرائته.

الهزيمة الإسرائيلية الأمريكية في حرب يوليو 2006 لم تكن كافية لإقناع النظام العربي التابع للطاغوت الأمريكي أن المقاومة المنتصرة تستحق تعاملا أفضل من هذا كما أنه من غير الأخلاقي أن يجري تأليب بقية المسلمين عليها تحت دعاوى مذهبية أو جر هذه الطوائف لتصبح جزءا من مشروع التآمر على المقاومة وما يعنيه هذا من استخدام فريق من المسلمين لمقاتلة إخوانهم في الدين دفاعا عن الصهاينة وليس دفاعا عن وجودهم لأن أحدا لم يعتد عليهم ولم يحرمهم من حقوقهم السياسية.

ورغم أن هذا الانتصار قد غير موازين القوى في المنطقة والعالم بصورة واضحة إلا أن الأعوان العرب يصرون على تجاهل هذا الانتصار والتصرف كأن شيئا لم يكن وهو تصرف يدل على خبث وغباء وكأن الذين صمدوا أمام الصهاينة لمدة 33 يوم عليهم أن يسلموا أسلحتهم وإلا قيل لهم أنتم تعتدون على حقوق الطائفة الوحيدة المنصورة وجرى تأليب العالم عليهم!!.

لقد شكل سقوط الخلافة الحريرية من وجهة نظرنا نهاية عصر من الأضاليل والأوهام وهو سقوط يصب لمصلحة الوحدة الإسلامية أيا كان مذهبهم والذين يتعين أن ينطلقوا لبناء دولة العدل والمساواة وأن يتخلوا عن مشروع دولة الطوائف، دولة الأوهام، دولة المتوكل على الله العباسي الخليفة الدمية.

على العرب أن يهيئوا أنفسهم للزمن الآتي زمن الأحرار والأقوياء وليس زمن الدمى الذين يتلقون التعليمات من واشنطن للتنفيذ ولو كان على حساب حريتهم وكرامتهم وكرامة أوطانهم

عندما يكون سبب الكارثة التي يعاني منها حاملوا طرطور العروبة والإسلام تآمر خارجي واضح للعيان كما هو الشأن فيما يتعلق بمحكمة الحريري أو محكمة البشير تراهم يغضون الطرف ويلزمون الصمت ولا ينبسون ببنت شفة إما لأنهم شركاء في التآمر أو لأن المتآمر هو حليفهم الأمريكي الإسرائيلي الاستراتيجي الذي لا يعصون له أمرا ولا يخالفون له نهيا