أطباء سارقون.. مستشفيات متواطئة.. والمريض ضحية

أدخلها أهلها إحدى مستشفيات المتن الشمالي بعدما ضربت نقطة دم دماغها، وجاء إختيارهم للمستشفى نتيجة طلب من الطبيب الذي يريد معاينتها، قاطعاً لهم وعداً بتسوية أوراق المريضة غير المسجلة في الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، على حساب وزارة الصحة العامة. ولمزيد من التأكيد على نيته القيام بذلك، طمأن الطبيب الأهل مشدداً على أن الأمر سهل جداً خصوصاً أنه مندوب الوزارة في هذه المستشفى.
أيام عدة مرّت والمريضة في غرفة العناية الفائقة التي تتخطى كلفة اليوم الواحد فيها أحياناً الألف دولار، كل ذلك، من دون أن يفي الطبيب "الآدمي" بوعوده الكاذبة، لا بل أكثر من ذلك بكثير، فبعد أيام من التسويف والمماطلة أبقى على ملف المريضة بين يديه وجاء مبلغاً أهلها بوقاحة غير مسبوقة وبعيدة كل البعد عمّا يسمّى ضمير مهني وإنسانية، أن إدارة المستشفى ترفض إحالة الملف على وزارة الصحة تحت حجة وهمية مفادها أنها إستقبلت في الآونة الأخيرة الكثير من المرضى على حساب الوزارة وهي لم تعد قادرة على ذلك.
دارت سجالات عنيفة بين أهل المريضة العجوزة والطبيب الذي يدعي "الآدمية"، كما إدارة المستشفى، ليتبين فيما بعد أن إحالة الملف على وزارة الصحة تمنع الطبيب من السرقة وتوقيع الفواتير الوهمية الملغومة وتقلل من المبلغ المالي الذي يريد أن يحصّله لنفسه من الأهل. كما تكشّف أيضاً أن رفض إحالة الملف على الوزارة جاء نتيجة إتفاق منسق بين الطبيب وإدارة المستشفى والهدف دائماً سرقة وإختلاس.
سُرّبت تفاصيل القضية الى وزير الصحة شخصياً محمد جواد خليفة الذي طلب على الفور نقل ملف المريضة الى مكتبه لتوقيعه وإحالته، غير أن ذلك تزامن مع موعد خروجها من المستشفى، أولاً نتيجة تدخل الإرادة الإلهية التي حسّنت أوضاعها، وثانياً بسبب وقف العلاج اللازم لها قبل إنتهائه بقرار من إدارة المستشفى، والسبب الإنساني دائماً أن الأهل لم يسددوا الفواتير المستحقة عليهم.
قصد الأهل مكتب الطبيب مبلغين إياه أن الوزير خليفة يريد الملف بسرعة، إلا أنه رفض توقيعه وتسليمه، ساخراً منهم ومن وزيرهم. وبعد الأخذ والرد، سئم الأهل الإنتظار وقرروا المضي بتسوية مع الطبيب بهدف إخراج والدتهم ونقلها الى المنزل. فقضت التسوية بتسديدهم القسم الأكبر من الفواتير والتوقيع على سندات بالمبلغ المتبقي.
في هذه الأثناء علم وزير الصحة بما حصل فأوكل الى مستشاره علي خليفة الإتصال بالطبيب المذكور وحلّ القضية. فطلب مكتب الوزير من الأهل زيارة الطبيب لأخذ الملف، غير أن الأخير الذي إنكشفت لعبته، بادر وبوقاحته المعهودة الى معاتبهم على الشكوى التي تقدموا بها ضده الى وزارة الصحة، وكي لا يسجّل على نفسه هزيمة كاملة وفضيحة، إستمر في مراوغته، فوقّع الأوراق المطلوبة ولكن من دون أن يحتسب كل الأيام التي أمضتها المريضة في المستشفى متذرعاً بالحجة الوهمية القديمة القائلة بأن إدارة المستشفى ترفض ذلك.
إذاً هذه القصة المأساة ليست إلا نموذجاً حياً عن الواقع المتردي للقطاع الصحي في لبنان، الذي يعمل بحكم المعادلة التالية: أطباء سارقون، مستشفيات متواطئة، والمريض ضحية